الواحد

-1- المد و الجزر ( البندول )


تماما ككل صباح يفرك الواحد عينيه في سريره ينظر إلى جواره فلا يجد لا زوجته و لا ابنته فيقول ناظرا نحو المنبه على الكومود :
- لابد و أنها تعدت الثامنة .
يهبط إلى الأرض و يشغل التلفاز ليسمع أخبارا عن هيمنة أميركا على العالم و نسف بغداد و يفكر أن لا بد جميع الآثار المعمارية التي درسها سنوات الجامعة في بغداد و سامراء قد أصبحت رفاتا يصيبه هذا الخاطر بالغثيان فيمشي متثاقلا إلى الممر خارج الغرفة و يقف قليلا بين المطبخ و الحمام كالمحتار بأيهما يبدأ اليوم أخيرا يلج إلى المطبخ و يقف أمام الموقد و يشعله و يتحير ثانية إفطار أم قهوة ؛أخيرا يسحسم أمره فنجان من البن اليمني الغامق فرائحة البن منعشة جدا للعقل صباحا بمجرد أن يصاعد بخاره و يقترب من أنفه تبدأ الأفكار في التدفق على رأسه لنر ماذا لدينا لليوم :
خرسانة لحد آخر النهار و بالليل نادي الأدب
كالعادة ينقذ القهوة من الفوران في اللحظة الأخيرة و يصب فنجانا و يشعل سيجارة و يصحبهما إلى الحمام حيث سيخرج بعد قليل بمزاج مختلف تماما و رائق للغاية.


























كمال سامي
- صباح الفل يارجالة ؛
يقولها الواحد و هو يهبط من سيارته ذات الطراز العتيق داخل موقع البناء و يمد ذراعه ليصافح كل من اقترب من العمال الذين لا زالت أصواتهم المتقاطعة تحوم حوله في ردود على تحيته و هو يواصل مد بصره في أرجاء المكان
بينما يقطعه صوت كبيرهم :
- ها يا باشمهندس تأمرنا نبدأ؟
= ثواني يا معلم هات الشريط نعتمد الكيل و نتمم ع الميه و ع الهزاز و نبدأ ؛ يا ميسر.
يتقدم نحو طبلية الخرسانة و خلفه المعلم و في يده الشريط و عندما يشير له الواحد يميل صناديق الكيل المصنوعة من الصاج فيبدأ بالقياس و الواحد يراقب و يسجل على آلته الحاسبة ما يقرأه على الشريط من أرقام بينما يكرر المعلم أسطوانته اليومية:
- يا باشمهندس احنا شغلنا 100 100 مافيش زيه اطمن يا باشا و . . . . .
يكون الواحد قد فرغ من الحساب فيومئ قاطعا ثرثرة المعلم أنه لا مانع من البدء على بركة الله ثم يمضي إلى الظل المواجه الذي صنعه المعلم مرقص النجار بنفسه بحيث يشرف على الأعمال ؛ كان هذا الظل الوارف مؤلفا من أربعة قوائم رئيسية من عروق الفلليري مع بعض النهايز المائلة عليها ثم سقف و حائطين من الألواح الخفيفة حالما يلج الواحد لكشكه يلحقه الخفير بصينية الشاي و زجاجة الماء المثلج و الكرسي و المنضدة و عندما يصّاعد دخان سيجارته و تساعده ضجة الخلاط الميكانيكي و العمال على الاختفاء خلف نظاراته الشمسية ليواصل شروده الطويل الذي بدأ منذ عام منذ التحاقه بالعمل كمهندس تنفيذ بالمؤسسة .
هل صحيح أن كمال سامي المقاول المنفذ و الذي أشرف عليه أنا يبسط نفوذه على معظم المسئولين عن المؤسسة و أن أغلبهم يدينون له بخدمات جليلة يقدمها لهم بين الحين و الحين و أن هذا ما ساعده على التضخم بهذه السرعة القياسية ليصل لهذا الحجم يقولون أنه أصلح سيارة كان دمرها ابن الرئيس الكبير في حادث شهير و أن السيارة الحديثة تكلفت مالا طائلا لترجع لما كانت عليه قبل أن يباركها ولد الرئيس المدلل و أن كمال تحمل إصلاح السيارة على سبيل الخدمة ، و يقولون أيضا أنه أرسل الأثاث الكامل لشقة فاخرة بأحد أحياء العاصمة الراقية يملكها رئيس كبير بالمؤسسة و لكن ما يفزعني حقا ما يقولونه عن علاقته برئيسي المباشر و الذي سأفرد له فصلا كاملا بعنوان ( الكلب ) فهو نجس بحق حتى قيل أنه يتعاطى مقابلا ثابتا من كمال إزاء خدمات بعينها و أن لكل مخافة يريدها كمال تسعيرة ثابتة عند الكلب النظام الذي هيأ لكمال فرصة أن يبتاع ما يشاء من المخالفات طالما أن أبوها فلوس على طريقة صكوك الغفران في العصور الوسطى و الحقيقة أن كمال هذا حاد الذكاء حتى استحق أن ندعوه طوال هذه الحكاية بالداهية غير أنه ككل الأذكياء له سقطة في الغباء و سقطة كمال أنه دائم الثقة بغباء الآخرين فهو لا يقيم لعقول الآخرين وزنا إلا إذا وضع معهم في مناورة من شأنها أن يخسر فيها بعض المال بالإضافة لذكائه فكمال هذا لافف و داير و كاذب كبير باختصار كمال هذا دوامة فهو لا يدعك أبدا تتأكد من شيء بالسلب أو بالإيجاب و إذا تتبعته فإن طفيل الريب سيأكل من أعصابك حتى يفنيها أما قلت لكم ؟ دوامة !
و تحكى عن كمال سامي قصة شهيرة للغاية فهذا المليونير الشاب لم يكن من عشرين سنة سوى مساعد لنجار مسلح بسيط أتى من أسيوط نازحا خلف لقمة العيش هذا النجار هو المعلم سامي أو الحاج سامي كما يحلو لكمال تسميته و بفضل حماس كمال و شيطانيته فهو يدير الآن مع أخوين يصغرانه واحدة من أكبر مؤسسات المقاولات في صعيد مصر فارق السن و الخبرة و الذكاء الكبير بينه و بين أخويه محمود و خيري أهّله للهيمنة على أمور الشركة كان محمود و خيري لم يتما نصف عقدهما الثالث بعد بينما يوشك كمال على إنهاء عقده الرابع .
وكان كمال قد تعرف إلى الكلب منذ أكثر من عشرة أعوام في عملية كان ينفذها الحاج سامي و يحمل الكلب أمانة الإشراف على تنفيذها من قبل الحكومة المصرية و الحق أن الأخير أيضا له باع طويل في المكر و الدهاء فهو بالرغم من سمعته السيئة التي اكتسبها عبر كل صفقاته المشبوهة من أفضل من يحافظ على مظهر المهندس الشريف طالما أنه بعيد عن سادته المقاولين أي بعيد عن المحك الحقيقي للكرامة .
هذا الرجل الذي يعرف كيف يبدو طاهرا باختلاق مشكلات متفق عليها مع كمال و غيره و إجادة دور الحاسم الذي لا يستمر طويلا هذا الرجل يعمل مهندس حكومة فقط و لم يرث شيئا فأبواه حيان يرزقان و مع ذلك فهو يملك عدد من المشاريع الخاصة و سيارتان يؤجر إحداهما عنوة للمؤسسة وتدر عليه بضع آلاف من الجنيهات شهريا تضاف إلى رصيده في الجحيم و شقة في عمارة فخمة على النيل مباشرة ، هذا الرجل كالفأر تماما يا سادة و يلقب بحامل أختام الملك و الملك طبعا هو الرئيس الكبير مؤمن بك السويفي و المهندس الفذ و الرجل الحصيف الخبير بفنون الإثراء من منصبه .
و يقال أيضا أن مؤمن بك بالإضافة إلى تمتعه بمنصب الرئيس الكبير للعصبة فهو أجرأ المسئولين على الجهر بالتجاوز لأجل عيون فلان أو علان حتى قيل أنه يجمع المقاولين قبل كل مناقصة ليـُتم توزيع المشاريع بينهم بحيث يحدد لهم نسب العلاوات في مظاريفهم السرية و كذلك نسبته هو طبعا في مظروفه السري للغاية و ذلك مقابل وعوده الحاسمة التي لا يقطعها شك حتى أنني بت كمهندس صغير أستطيع أن أعرف فبل أن أنهي عمليتي أن أعرف أني سأشرف على عملية كذا مقاولة فلان و التي حصل عليها بنسبة كذا حتى قبل أن تعقد جلسة فض المظاريف!
من ناحية أخرى كان لمؤمن بك مظهر باشوات زمان ببزته النظيفة المنشّاة و قوامه المتناسق الذي يميل إلى إلى القصر مع ميل إلى النحافة و نظاراته الطبية الدقيقة ذات العدسات البنية و شاربه المحدد بدقة وعناية فائقين على غرار شارب فؤاد المهندس و شيب خفيف على شعره و صوت جهور دائما واثق و حتى إذا قابلك بابتسامته الرؤوم فأنت تهابه فكيف إذا قابلك بغضبته الكاسحة ؟
كان في النهاية رجلا فريدا تحبه رغم كونه كريه و تقدره رغم كونه لص !
شخصية كتلك لم يكن ينقصها سوى شيئين متوافرين طبعا في عصرٍ كهذا أولهما سلم للصعود و بالطبع فقد صعد سريعا بفضل سلمه أعني رئيسه و صديقه مؤسس المؤسسة و جالب القروض و المعونات و النهب الوفير الرئيس الكبير جدا عفوا لا تسعفني التسمية فمجرد التفكير فيه يربكني للغاية ، و استطاع الكلب أذكى المخلوقات و أهونها على نفسه بعد الناس أن يصل إلى مكانة الحذاء من قدم الرئيس الكبير الذي علق أختامه على مؤخرة الكلب ليصبح الكلب و لأول مرة في التاريخ ( حامل أختام الملك ).
يدخل كمال إلى الموقع قبيل صلاة الظهر و ينزل من سيارته الفارهة من نوع مرسيدس بطوله الفارع و قوامه الممتلئ مرتديا بدلة بدون ربطة عنق واضعا نظاراته الشمسية حاملا بيمينه شمسيته الصغيرة التي تجعله يبدو كالباشا الإقطاعي في زمامه .
ينتبه الواحد من شروده على صوت كمال الذي يتقدم نحوه مسلّما و مهللا متبوعا بكبار المعلمين في الموقع يحمل أحدهم كرسيا بينما يحمل له آخر علبة سجائره و يرافقه آخر كظله على سبيل الاحتياط لئلا يعوزه شيء فلا يجده:
- صباح الورد يا باشا ( مادا يده ليصافح الواحد )
- صباح الخير يا كمال باشا اتفضل يا باشا و يشير له بالجلوس فيرفض كمال بأدبه الجم أن يجلس قبل الواحد الذي يصغره بسنوات ويرد:
- ما يصحش يا باشا و الله بعدك.
فيجلس الواحد و من ثم كمال و يأتي الماء البارد المعدني هذه المرة و الشاي أبو فتلة في أكواب براقة لأول مرة أيضا فيشعل الواحد سيجارته و يسترخي في كرسيه متأهبا لفاصل طويل و متواصل من الثرثرة عن عبقريات كمال سامي و لباقته و كياسته و حسن تصرفه و نزواته و انحرافاته و بالطبع عن جودة أعماله و اتساعها و علاقاته الرهيبة بالمسئولين الكبار داخل المؤسسة و خارجها و لا يفوته طبعا بعض النصائح الأخوية لمهندس شاب
حديث عهد بالمؤسسة من مقاول خبير كثير من هذا حقيقي لكنه لم يكن يعني شيئا بالنسبة للمهندس لذلك عندما كان يبدأ كمال بالحديث كان الواحد يغطس في كرسيه و يتابع الأعمال بعينيه في هدوء مكتفيا في الرد على جليسه باصطناع ابتسامات و نظرات دهشة و عبارات من نوع ياه ، والله؟ ، يا شيخ ، يا سلام مع إيماءة برأسه كل حين و ابداء ملاحظاته على الأعمال كلما استدعى الأمر هدنة .
هذه الطريقة و غيرها كانت تدفع الآخرين و منهم كمال إلى الظن بأن رجلنا لم يدع زهوه و هو ما به من زهو أصلا إلا أنه كان يفضل عدم التورط في الجديد لا الناس و لا المواضيع كان صوفيا بأحد الأوجه يعتقد بضرورة التخفف مما أمكن من الأحمال ولذا فقد اعتاد ألا يقحم روحه الطيبة في معارك لا تفضي لشيء يهمه في الحقيقة لم يكن هناك شيئا يهمه اللهم إلا القليل مما لا يعني الآخرين .
بعد قليل سيصعد إلى ( الجيب ) ليسلك تلك الطريق الطويلة للبيت مارا خلال قرى و ترع و قناطر و أراضي زراعية و أخرى صحراوية ، على الطريق الضيقة الممضة عليه أن يمضي لبيته ، طريق كتلك كانت تشده من ذاكرته في اتجاه أيامه القديمة فيذكر زوجته و حبهما و خطبتهما و رفافهما و ابنتهما الجميلة أيام الزواج الأولى أيام العمل الأولى و أيا الجيش حتى مشاهد من طفولته أبخرة شتى تنبعث من ذاكرته على الطريق كثيرها مبهج و كثيرها كئيب.
يريح رأسه على مسند مقعد القيادة الملفوف بشال فلسطيني هذا الشال كان هو هو الذي احترقت أطرافه عندما أحرق علم إسرائيل داخل حرم كلية الهندسة لتنطلق في اليوم التالي باكورة مظاهرات الجامعة الإقليمية من كلية الفنون الجميلة حيث كان يدرس أخوه الأصغر .
كان متوهجا كما هو الآن و لا يخلو من رعونة عصبي المزاج حاد التقلبات لكنه أيضا لا مع الذكاء أحيانا نظيف اليد .
في الجامعة كان يكتب الشعر و يعزف الجيتار و يغني لمنير في جماعات و يبهر الفتيات و يحب فتاته جدا.
و قد اكتسب عبر أدائه الخدمة العسكرية في سلاح القوات الجوية المصري صلابة و صبرا و انضباطا غير أنه و حتى الآن لم يزل به من حسن الظن أكثر مما ينبغي و عام من العمل كمهندس إشراف على التنفيذ في المؤسسة كان كفيلا بغسل رأسه من أكثر حسن الظن هذا.
هنا تذكر يوميات المهندس ابن بطوطة التي أزمع تسجيلها قبلا فأخرج سماعة المحمول و ضبطه على وضع التسجيل و أخذ في الحديث إلى نفسه كالمجانين :




























هكذا كان الواحد
الاثنين موعد الاجتماع الأسبوعي بمقر المؤسسة سيكون عليه التواجد بالمكان الذي لا يطيقه طوال ثلاث ساعات كاملة دون نقصان و دون أدنى فرصة للتنصل.
ما يزعجه هو أن عليه أن يقابل كل ذوي الأقنعة الواهية التي لم تعد تخفي شيئا من الوجوه الشائهة الرئيس الكبير و الصغير و الكلب ، يا لله ، كيف يحتمل مكان واحد كل هذه السخافات الكارثة أنه سيظل حبيس المكان بصحبة كل هؤلاء التعساء مئة و ثمانون دقيقة ناهيك عن الخوض في مؤامراتهم شاء أم أبى باعتباره عصا التخويف للمقاول لئلا يجن و يقصر في تقدير السادة الرؤساء .
اليوم سيقابل الكلب الذي سيحذره من ترك كمال على هواه و يؤكد على ضرورة الوقوف بالمرصاد لألاعيبه و عندما يمتثل لتعليمات الكلب لا يصبح أمام كمال سوى اللجوء للكلب الذي سيصبح ملاكه الحارس و ينقذه طبعا بمقابل مجزي .
يقول آدم حسين الذي يكره الكلب و ينافسه على لقب حذاء الملك عفوا ( حامل الأختام ) :
إن الكلب يريد أن يبدو أمام كمال أنه رجله الأول داخل المؤسسة و أنه يتكسب من وراء ذلك الكثير .
و الحق أن آدم ذو اللحية التي يغزوها الشيب و سيماء الصلاة على جبينه الأبيض و بعض من الوسامة الحق أنه لولا ذاته المتضخمة و حدة خلقه خاصة فيما يتعلق بتوزيع الغنائم لولا كل هذا لكان أكلب من كلبنا .
الاثنين يوم ثقيل إذ سيضطر لمصافحة هؤلاء و آخرين أكثر ثقلا على روحه .
في الاجتماع كان يشاغل بألعاب الجوال لئلا ينصرف ذهنه لما يقول التافهون .
صراع ذوات قاسٍ كقتال الذئاب خلافات هندسية حادة و تظاهر و توصيات خلقية يلقيها الفاسدون لم يكن و هو الذي أهلك نصف جهازه العصبي محترقا بترهاتهم لم يكن يحتمل المزيد فشغل نفسه بتليفونه حتى أشرقت هذه الرسالة القديمة ( آلو 122 النجدة ؟ في واحد واحشنا موت ممكن تدلونا عليه؟ ) مرسل من Life is back و هكذا كان لقن تليفونه اسم حبيبته زوجته Life is back فيتذكرها.
قابلها أول مرة في الممر المورق في حديقة الكلية أولى سنين الجامعة
( كانت الزهور البرية متشابكة بحيث يلوح بهاؤك ناقصا في ممر الكلية الأحمق فاستعنت بفراشةٍ و حططت على كفك إيه أحبك يا وردة البللور )
كانت فاتنة كزهرة براقة شعر و هي تطوي الممشى باتجاهه أنها تخطر على قلبه و إذ تقف أمامه يفر قلبه من حبكة النبض ليسع خلفها و هي تمضي للحديقة و الكافتيريا و مدرج101 و معمل الكيمياء و المكتبة و الطرقات و حتى في مصلى البنات كانت عينه لا تطرف لئلا تغيب حبيبته عنه و كان طيفها يسبقه على الطريق إلى بيته حتى إذا جاء بيته أسرع إلى سماعة الهاتف كالملهوف و ضغط أرقاما لا يحتاج حتى لأن يبصرها فينسرب إلى أذنيه صوتها السحري كرائحة الجنة:
- آلو
- وحشتيني موت
- طيب يا هند أنا هاجيبلك المحاضرات بكره؟
- يووه طب حطي انتي السماعة أنا مش هاقدر
- سلام
ثم يقضي النهار في قراءة الشعر و كتابته و عزف الجيتار و لا يزال يراها حتى يجيء الليل فيهاتفها حتى الشروق.
ليلةً كان لديه في غرفته عودا جافا من الياسمين فلما همست في أذنه : أحبك ؛ رأى زهرة تنبت في رأس العود الميت ،و الله!
و يقسم أنه رأى قلبه يبكي و يمسك بقضبان قفصه الصدري صارخا :
- لا لن تتركيني أسبوعا و لا حتى ساعة واحدة !
(عيناي بنفسجة تغرق في روحك
- ما أقسى أن يقطع جلد البحر زجاج.
= كارثتي أني أحببتك في الزمن المزلاج !)
ثم سحله هذا القلب على وجهه و هو في ملابس النوم في فجر اليوم التالي ليزج به قلب القطار المسافر إلى بور سعيد حيث ستقضي هي أسبوعا في رحلة إجازة نصف العام الدراسي ؛ هكذا بلا نقود و لا حقيبة ملابس قطع ألف كيلومتر وراءها .
- آه كم كنت شابا أيها القلب!
أيامها كان يطلق شَعره كأفكاره في غير تهذيبٍ و يحفظ عن ظهر قلبٍ كل ما كتب أراجون و بودلير و المتنبي و أدونيس و محمود درويش و النفري و آخرون
(و التحدي ؛ أن تصبح رأسك قنبلة ، و تنام )
و يصر على عزف المقطوعة الوحيدة التي يجيدها على جيتاره ( انت عمري ) كان لامعا بين أقرانه زاه بنفسه و بفتاته التي يصدق انها هي التي أدخلته لكل هذا الجمال:
-إذن فحبيبتي صنعت شِعري الذي صنع حياتي .


























الكــــــــــلــــــــب
-1-
- إياك أن تسمح لكمال بالردم بالرمال ناتج الحفر لا بد من توريد رمال أخرى من خارج الموقع كما في نص البند.
( يصيح الكلب في وجه الواحد )
-2-
كمال يحادث الكلب على الهاتف ليشكو له من عناد المهندس الجديد و يطلب منه في صيغة الأمر أن ينهي الموضوع بإقناع أو بإجبار الواحد على الموافقة بالردم بالرمال إياها و يخبره بأن لأخير أوقف الأعمال و طرد خيري أخاه من الموقع و أنه يحادثه دون علم الواحد ثم يناول السماعة للمهندس ليسمعه صوت الكلب و هو يتعهد بإنهاء الموقف و يتبع ذلك بابتسامة :
- شفت يا بيه مش قلتلك الكلب ما يعضش صاحبه ! و يقهقه .
-3-
- إياك أن تسمح لكمال بالردم بالرمال ناتج الحفر لا بد من توريد رمال أخرى من خارج الموقع كما في نص البند.
( يصيح الكلب في وجه الواحد )
-4-
الكلب يدور في الموقع في همة و في زيارة رسمية نادرة ليعاين الرمال إياها ثم يطلب دفتر الزيارة ليوقع فيه على مسئوليته الشخصية بأنه حضر أعمال الردم و أنها بحالة جيدة جدا و مطابقة للمواصفات !
ثم يقف فوق الردم موجها كلامه للمهندس في تعجب:
و الله كمال ده حمار بدل ما يدفعله ألف جنيه رشوة كان عمل شغله صح ، ويضحك في استهزاء ( يضحك ) اطلب لي كمال يا عم ع التليفون.
-5-
الواحد في بيته يفكر في كلام الكلب فيلمح شبهة تعريض به فيما يخص الرشوة فيمنعه الغيظ من النوم طوال الليل


-6-
الصباح الباكر لليوم التالي الواحد يهاتف الكلب من السنترال خارج مقر المؤسسة ك
- انت فين يا باشا ؟
- أنا في المؤسسة
- طب لو سمحت تنزلي لأن في كلمتين ما ينفعش يتقالوا في المؤسسة .
- عينيا يا باشا !
. . . بعد خمسة دقائق . . .
يعبر الواحد الشارع و يربت على ظهر الكلب :
- معلش يا باشمهندس انت كنت عندي امبارح في الموقع و قلت لي كلمتين مافهمتهمش عن دفع كمال رشوة ألف جنيه ، ايه ده هو ادالك الف جنيه بس؟
يبدو عليه الارتباك :
- لا يا علي ان قصدي طريقة شغله مع المؤسسات التانية انت عارف احنا ماعندناش الكلام ده خالص ، و بعدين كمال اشترى بخمسة آلاف جنيه ستائر للمؤسسة تفتكر يعني عشان سواد عيوننا ؟ أكيد هياخد تمنهم بطريقة .
- لأ لأ واحدة واحدة عليا عشان افهم ؛ انت قصدك على شغله مع المؤسسات التانية ولاّ ع الستاير أم خمسة آلاف جنيه ؟
أصل أنا بصراحة جه في بالي إنه قال لكط إني خدت منه رشوة ( بغضب ) شوف انت تعرف كويس انا ابن مين و بالتاي تعرف اني متربي ازاي و تعرف كمان اني باتلمنطق اللي انت تفهمه اني مش محتاج لفلوس حد ؛ صح؟ بالتالي أي كلام من النوع ده عني هيكون إشاعة و لا يمهله أن يرد ؛ يواصل بنبرة أشد غضبا ولكن هادئة :
إذن قسما بالله العظيم و رحمة أبويا و عليا الطلاق من بيتي بالتلاتة لأخده كده لا مؤاخذة ( يضع يده على كتف الكلب ) من قفاه و أحطه في شوال كده بشريطة حمرا و ادفنه حي في البلد و مش مع حد غريب مع جثة أبويا تلات أيام في الجبانة يخرج بعدها ملتحي كده و مؤمن و يبطل افترا ع الناس فاهم يا باشا؟ الكلام ده لمين ؟ لكمال و ليك و لأي حد يخطر في باله يتكلم عني بالكدب أوعى تكون فاكرها صعبة دي هيه ديتها مية جنيه لحمة للرجالة و الو يفلان تعالى خد فلان من عند المؤسسة.
-7-
يزداد الكلب حملقة في الفراغ و ترتعد السيجارة بين يديه ثم يزوي ذيله بين رجليه و يركض إلى داخل المؤسسة.




لحظتها شعر الواحد بنصفه القوي الجريء يتطاول و يعلو في فخر لولا نصفه الرعديد الذي يلطخ هذا الزهو الناصع ذلك النصف الذي جعله يفكر ألف مرة قبل أن يحجم مهاب حسان في الموقف
مهاب حسان هذا هو الرئيس المتوسط الذي يرأس الكلب و يرأسه مؤمن بك الرئيس الكبير و كان ذكيا جدا المهندس الذي لقبه بالباذنجانة البيضاء فمهاب كان شديد بياض البشرة و كان من أولئك الطيبين خفيفي الظل تحبه وتطمئن له أول ما تراه و لم يكن هذا ما رفعه إلى منصبه هذا على الرغم من صغر سنه نسبيا و بطبيعة الحال في بلادنا لم تكن عبقريته الهندسية و إنما قرته الفائقة و على الطاعة العمياء و شخصيته الرخوة هما ما دفعا الرئيس الكبير لانتقائه لهذا المنصب الحساس الذي يتطلب رجلا على حد قول الرئيس مرنا و طيعا قليل الأسئلة و الحق أن مهاب كان خير من يقوم بالمهمة فقد كان ( معاهم معاهم عليهم عليهم ) و هو في الواقع لم يكن مهابا من أحد اللهم إلا المهندسين الجدد الذي يخافون أصلا من ظلهم و يعتقدون أن الخطر قابع في كل حركة و سكون و من ثم يخافون من كل شيء و كل شخص .
و الباذنجانة البيضاء كان سهل الإقناع جدا حتى أنه لا يستغرقك دقيقة واحدة لتقنعه بأن الشمس أشرقت هذا الصباح من المغرب ثم دقيقة واحدة لتنسف له جميع معتقداته عن العمل فتجعله يزدري من كان يحترمهم حالا من المهندسين و الموظفين أو يحترم من يزدري و بالطبع كان خير من يلعب معه دور الناصح الأمين هو الكلب الذي تسبب بأذى الكثيرين و نفع آخرين غير جديرين بالنفع من جراء قدرته على إقناع الباذنجانة الذي يضع ثقته كاملة في كل من يظهر له بعض الإجلال و التقدير و كان الواحد يعرف هذا جيدا .
نعود لنصف الواحد الجبان ذلك النصف الذي أوقفه على باب مكتب الباذنجانة خمسة مرات و هو يفكر : سأدخل الآن و أخبره عن كل شيء و أقول له مباشرة :
- شوف سيادتك الشغل في الجو ده ما ينفعش . لا لا سأكون أكثر جرأةً و أقول له:
- في حاجات كتيرة مش مضبوطة في شغل المواقع برة و انت المدير فاتصرف و ماتبقاش بدنجانة بقى .
لا ينبغي أن أكون أكثر تأدبا و دهاء معه ليصدقني سأقول له :
- أنت يا سيدي أخ أكبر لنا و تعين علي فقط بحكم محبتي لك أن أخبرك عما يحدث من وراء ظهرك فالكلب يخالف كثيرا من أجل عيون كمال و غيره و يقدم له كثير من التسهيلات مقابل منافع شخصية عليك أن تحمي نفسك و تحمينا رائحة الفساد تعلو كعرق الناس يوم القيامة سنموت مختنقين افعل شيئا !
نصف الواحد الجبان جدا نهره و رده عن الباب برد مقنع كالعادة :
- و هب أنه يعرف من قبل و هب أنه متورط في الأمر من قريب أو بعيد ؛ كيف لك أن تضمن أنه ليس لاعبا في فريق الرئيس و الكلب ؟ ثم أنه تابع مخلص للرئيس الذي لا يجرؤر على إغضاب كمال ؛ ثم أنك جربته الباذنجانة في موضوع مواد الكهرباء المخالفة عندما صرخ في وجهك أنه ( مالوش دعوة ) ؛
- يا الله المدير مالوش دعوة أمال مين له؟
ثم ألا تذكر عندما وعدك بزيارة سرية إلى موقعك ليقبض على المقاول متلسا بمخالفاته و أكد عليك بضرورة عدم إخبار أحد خاصة المقاول بموعد الزيارة المفاجئة ؛ ثم أنه حضر إلى الموقع في الموعد المتفق عليه و لكت بصحبة المقاول و في سيارته !
صدق من أسماك باذنجانة يا مهاب .
سمع الواحد لكلام نصفه الجبان فغير وجهته من مكتب مهاب إلى البوفيه ليطلب فنجانا من القهوة التركية المضبوطة و يشعل سيجارة يحرق بها حيرته اللعينة .
و مع النفس الأخير برقت في رأسه فكرة
- لم لا أصعد إلى مكتب الرئيس الكبير و تكلمه في الأمر محتميا بالنسب البعيد الذي يربطكما و تلمح له فقط تكتفي بالتلميح من بعيد بل من بعيد جدا إلى ما يحدث حتى لا تطيح بك غضبته الكاسحة فهو لو غضب ربما نقلك للعمل في أسوان أو مطروح و ربما السودان حيث امتد عمل المؤسسة مؤخرا و ربما حولك لأعمال إدارية كما فعل مع المهندس الطيب.
هذه فكرة طيبة ؛ فقط تذكر التلميح من بعيــــــــــد .
. . . . .
بعد أقل من نصف ساعة كان الواحد في مكتب الرئيس الكبير جالسا في ارتباك على الفوتيه المريح في مواجهة الرئيس الذي بدا عليه الضيق من كلام الواحد كان بوسع الواحد أن يلمح هذا في وجه الرئيس من خلال نظرات مراقبة متقطعة متحسبة من خلف نظاراته القاتمة العدسات .
- كنت عايز آخد رأي معاليك في موضوع ؛ كمال عايز يردم برمال ناتج الحفر بدون توقيع خصم و المهندس الكلب مش مديني قرار فإيه رأي معاليك ؟
- شوف يا بني ( و يسحب نفسا عميقا من سيجارته ) انت عندك رئيس مباشر ( يقصد الكلب ) هو يعرف انك جاي تقول لي الكلام ده ؟ راعي التسلسل القانوني يا ياشمهندس و اتعامل مع رئيسك المباشر أنا مش فاضي للتفاهات دي .
يكتفي الواحد بأرجحة رأسه كالموافق و يمضي خارجا تتلعثم خطواته على السجادة الحمراء خارج المكتب و تحدثه نفسه :
- ما هذا الهراء أكان يتوقع مني أن أستأذن الكلب قبل أن أشكو له فساده ؟
لا فائدة إذن فالرئيس الكبير زوجة كمال كما يقول المهندس الماكر .
و يهبط الدرج في آخر الممر إلى الطابق السفلي ليبتاع قهوة ثانية و يشعل سيجارة ربما كانت الألف لنفس اليوم و تهبط روحه التي كانت مشرقة عما قريب إلى الحضيض .
كمال سامي إخطبوط عملاق يهيمن كل ذراع من أذرعه الفولاذية على رقبة واحد من مسئولي المؤسسة و وحده الله يعلم عند من تنتهي هذه الهيمنة و من أكبر المخلصين لكمال وحده الله يعلم مدى إحكام قبضته على المؤسسة .
و على هذا فالواحد لا يجد ما يلام عليه كمال بنفس المنطق الذي لا تلام به أميركا في نسفها للعراق فهو يدير أموره وفق ما يحقق له مصلحته و يلعب بما يربحه رهان حياته .
و رهان الحياة لدى كمال هو كيف يزداد ثراؤك و نفوذك من مواصلة العمل هو رجل قوي ما يكفي لمضاعفة إرثه المتواضع عن أبيه ربما مئة مرة في أقل من عشر سنين ليصبحمن أثرياء الصعيد المشار إليهم بالبنان ؛ سياراته و قصوره و أمواله الطائلة التي جنى معظمها بفضل سيطرته على المسئولين هيأت له إحكام قبضته أكثر فأكثر على المسئولين في توالٍ لا ينقطع فظل كمال يكبر و ينتفخ في فخر بينما يتصاغر السادة المسئولين شيئا فشيئا حتى أوشكوا على التلاشي في عينيه حتى لم يعد يقيم وزن ذبابة لأحدهم يفعل ما يحلو له وقت ما يحلو له طالما يشتري كراماتهم بانتظام و يواظب على دفع أقساطها كل حين .


























هكذا صار الواحد
بالتقادم لم يعد الواحد يشكو لأحد فقد طفت اخبار انهيار مدائن العراق تحت وطأة أقدام أميركا فوق كل شيء و لم يعد الواحد يندهش لأي شيء صح أنه لم يقدم على عمل يشعره بالندم و صح أنه ظل نظيفا كما يحب إلا أنه عندما أتت زميلة له لتخبره أن الكلب يروج في المؤسسة أنه و زميله النظيف أيضا مرتشين و يسهلان لكمال المزيد من الأعمال المخالفة و أن كثيرين لا يصدقون زعم الكلب هذا و لكن الكثيرين أيضا يصدقون لم يغضب و لم يندهش لأنه لم يغضب فقد تساوى لديه أن يقولوا هنه هذا أو ذاك كأن الأمر لا يعنيه و الحق أنه هو نفسه بات لا يعنيه و نصحته زميلته بأنه عندما يقابل حائطا سدا ككمال و أو الكلب عليه أن يلتف من حوله و ان يتوقف عن ضرب رأسه بالحائط لأن هذا لن يجدي نفعا ذكره هذا بقصيدة قديمة له ( تضرب رأسك في حائط العمر فلا تسقط فكرة واحدة جديرة بإيلام المبنى )
كان يعرف أنه وحتى بعد رحيل الرئيس الكبير جدا و الرئيس الكبير أيضا فإنه ليس بوسع أحدٍ أن يشكو كمال لأحد فما زال الرئيس المتوسط و الكلب موجودين و الأخير لن يفرط في حصته الثابتة من أموال كمال مقابل أي شيء و حتى من سيحل محل الراحلين فسوف يدين بالولاء لكمال أيضا أو على الأحرى فالجميع يدينون بالولاء للمال الذي يجسده في أوضح صوره السيد كمال .
يمضي الواحد إلى الشارع و من ثم إلى بيته دون أن يكلم أحدا أو أن يرفع يده بالتحية لأحد يمضي كالمذهول لبيته حيث تنتظره امرأته التي لن يلحظ أنه في كامل زينتها و لن يمتدح جمالها بل سيجلس أمام التلفاز ليشاهد انهيار حضارة الإنسان تحت وطأة أقدام الإنسان الآخر و يكون وقتها قد توقف عن التساؤلات الساذجة من نوع لماذا تقوم الحروب ؟ و لماذا يظهر الفساد في البر و البحر لن يتكلم و لن يسأل فقط سيكتفي بالاحتماء بيديه كلما علت النيران على شاشة التلفاز و في المساء سيخل إلى فراشه و هو مازال في ملابس العمل و يلقي بجسده فريسة لوحش السبات الأنيس ينام نوما عميقا يضبط نفسه ليلا و هو ينام مكورا على نفسه قد جعل رأسه بين ذراعيه و ضم ركبتيه إلى صدره و يسمع دقات قلبه و تراوده في كوابيسه وجوه مؤمن بك و الكلب و كمال و بوش الابن و صدام حسين الهارب ذو اللحية يوشك على الموت رعبا و هو نائم .
في الصباح التالي يرن هاتف المنزل ليخبره عامل سويتش المؤسسة بأنه مطلوب حالا أمام مهاب حسان فيسرع في ترددات كل صباح ثم يمضي متثاقلا للمؤسسة و في مكتب مهاب يبدو على الأخير الحزم و الجدية و هو يناوله ورقة و يقول :
- تسلمنا هذا الصباح قرار من مكتب الرئيس الكبير بنقلك للعمل في فرعنا أسوان لمدة عام عليك أن تسرع بالامتثال و التنفيذ فورا .
يتسلم القرار دون كلمة واحدة و يمضي إلى مكتب شئون العاملين لينهي إجراءات النقل و يخرج من المؤسسة دون أن يودع أحدا و عند بوابة المبنى يسمع رجل الأمن يخبر زميله بأن القوات الأمير كية ألقت القبض على صدام حسين فيتسمر مكانه لحظة دون أن يلتفت ثم يمضي في طريقه .
في الشارع كان العرق يقطر من جبينه و الكرامة تقطر من روحه و شعر بقلبه يهتز مرة أو مرتين ثم ينزلق إلى أرضية الشارع لم يلتفت أيضا و تابع سيره إلى محط القطار ليحجز مقعدا في القطار المسافر صباحا إلى أسوان و يتابع طريقه إلى البيت و يحزم حقائبه في صمت ثم يضم زوجته ضمة قوية إلى صدره و يتمدد على فراشه .


























في الآخـــــــــــــر
تماما ككل صباح يفرك الواحد عينيه في سريره ينظر إلى جواره فلا يجد لا زوجته و لا ابنته فيقول ناظرا نحو المنبه على الكومود :
- لابد و أنها تعدت الثامنة .
يهبط إلى الأرض و يشغل التلفاز ليسمع أخبارا عن هيمنة أميركا على العالم و نسف بغداد و يفكر أن لا بد جميع الآثار المعمارية التي درسها سنوات الجامعة في بغداد و سامراء قد أصبحت رفاتا يصيبه هذا الخاطر بالغثيان فيمشي متثاقلا إلى الممر خارج الغرفة و يقف قليلا بين المطبخ و الحمام كالمحتار بأيهما يبدأ اليوم أخيرا يلج إلى المطبخ و يقف أمام الموقد و يشعله و يتحير ثانية إفطار أم قهوة ؛ فنجان من البن اليمني الغامق فرائحة البن منعشة جدا للعقل صباحا بمجرد أن يصاعد بخاره و يقترب من أنفه تبدأ الأفكار في التدفق على رأسه لنر ماذا لدينا لليوم :
خرسانة لحد آخر النهار و بالليل نادي الأدب
كالعادة ينقذ القهوة من الفوران في اللحظة الأخيرة و يصب فنجانا و يشعل سيجارة و يصحبهما إلى الحمام حيث سيخرج بعد قليل بمزاج مختلف تماما و رائق للغاية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتاب الصفح El Libro Del Perdón

بين (عاش الهلال مع الصليب) و (الشعب يريد إسقاط الرئيس) الراية القطرية 19-05-2011