القصيدة التشعبية – اسم جنس أدبي أم اسم تقنية ؟
القصيدة التشعبية – اسم جنس أدبي أم اسم تقنية ؟
علي الدمشاوي
رئيس مؤسسة تودوسناس الثقافية – سكرتير حركة شعراء العالم بقطر
ظهر في العقدين الأخيرين شكل من الكتابة الشعرية التي تعتمد إحدى تقنيات الشبكة العنكبوتية أداة إبداعية أساسية في خلقها و هي تقنية الروابط التشعبية - والرابط Link أو الوصلة كما عرفه معجم مصطلحات الانترنت هو كلمة تستخدم في سياق الحديث عن شبكة ويب، للدلالة على نص أو صورة، يمكن بتفعيلها الوصول إلى مكان آخر في الصفحة ذاتها أو في خارجها. ويمكن تفعيل الوصلة بالنقر عليها بالماوس (معجم مصطلحات الانترنت، 2010) 1
و قد استعصى على الباحثين الاصطلاح على مسمى نهائي لهذا الشكل الأدبي و الحق أنه أمر عصي على الاتفاق فإضافة إلى أزمة المصطلح التي نعانيها في أدبنا العربي فيما يفترض أنها إشكاليات تم تناولها بالبحث لقرون فكيف بنا و نحن نسعى لإيجاد مسمّى لشكل أدبي حديث الخلق بالعالم و لا سيما بعالمنا العربي أضف إلى ذلك كون التقنية الحديثة رافدا أساسيا و لا يخفى على معظمنا بعد متخصصينا في علوم الآداب عن مجال الانترنت نحن هنا بصدد عرض سريع لما نسميه مقترحات لمصطلحات كثر استخدامها و عند الحديث عن القصيدة التشعبية و هو المصطلح الذي نراه أقل إشكالا و أصلح للتسمية من غيره.
في البدء لزم التنويه عن كنه تلك الكتابة الشعرية التي باتت متداولة على صفحات الانترنت و هي في سيادتها نصوص شعرية تحوي روابط تشعبية بالضغط على أحدها تفتح صفحة جديدة بفراغ الكتروني إبداعي جديد .
و فيما يلي تفصيل لأكثر ثلاثة مصطلحات انتشارًا .
القصيدة الإلكترونية :
و هو من أقدم المسميات التي أطلقت على هذا النص و قد كانت سائدة في بداية ظهور هذا الشكل من الكتابة نظرًا لانتشار الكلمة (الإلكتروني) حيث باتت تضاف لأي شيء و كل شيء دون تمييز حقيقي للمعنى الأصلي للكلمة و كأنها صفة مرجحة و لعل القاريء يذكر انتشار القواميس الاكترونية و المصاحف الالكترونية و حتى الكتب الاكترونية E-Books التي سوقت بنجاح في خلال العقدين السابقين .
و أنا نفسي استخدمت هذا المصطلح عندما عرضت قصيدتي الأولى من هذا النوع للمناقشة مع الأساتذة الدكتور / أمجد ريان و الدكتور / جمال التلاوي في سنة 1996 و 2002 بالتوالي فقد كان المصطلح قد بات شائعًا بحيث أصبح تسويقيًا أكثر منه تصنيفياً.
و الحقيقة أن النص الإلكتروني هو كل نص ينتج أو يكتب بوساطة أداة إلكترونية كالحاسوب المنزلي أو المحمول أو حتى الهواتف الجوالة و هذا يضعنا أمام حقيقية أن النص الشعري العادي إذا تم نقله من فراغ الورقة إلى صيغة يصلح تداولها على الأجهزة الإلكترونية أصبح نصًا إلكتيرونيًا ينسحب هذا بطبيعة الحال على جميع النصوص الأدبية و غيرها و اليوم يتم تداول الملايين من النسخ الإلكترونية عبر الشبكة العنكبوتية.
و من ثم نرى أنه مصطلح أعم و أشمل مما نحن بصدده.
القصيدة التفاعلية :
و قد ذهب هذا إلى استخدام هذا المصطلح العديد من الباحثين العرب مثل الدكتورة / فاطمة البريكي و هي تناقش قصيدة الشاعر مشتاق عباس معن في معرض أبو ظبي للكتاب في العام 2007 و هي أول قصيدة عربية تنشر معتمدة تقنية الرابط التشعبي .
و قد افترضت الدكتورة أن هذا الشكل من النصوص يفتح آفاقًا جديدة لتفاعل إبداعي من قبل المتلقي إذ صار بإمكان المتلقي أن ينتقي رابطا من النص الأصلي ليقوده ربما لصورة أو لنص متشعب جديد و قد يفضل ألا يضغط الرابط فيستمر في سياق النص الأول و عليه اعتمدت تسمية النص التفاعلي أو القصيدة التفاعلية و على الرغم من أن ما قدمه الشاعر العراقي مشتاق عباس معن كان أشبه ما يكون بروابط المحتويات بالكتاب الورقي فالمصطلح ما زال سائدًا لليوم .
و ما نراه على هذا المصطلح أنه يخص هذا النوع من الكتابة دون غيره بالتفاعلية متكئا على الشق الأدبي الإبداعي في القصيدة و هو أمر غير دقيق لأنه بالتبعية يجرد النص الورقي من صفة التفاعلية و من يقول أن قاريء القصيدة المطبوعة ورقيًا لا يتفاعل اختياريا مع النص و لندلل على هذا في عجالة نشير سريعا إلى الأدب الرمزي مثلا حيث يكفي للقاريء أني يبني تصوره في حرية تامة بناءً على حله لشفرة النص الأصلي و من ثم يكون بإمكانه استقراء النص على أنه من الأدب السياسي أو العاطفي أو غيره .
و القاريء حين يبدأ تصفح ديوان شعري من جهة المحتويات فينتقي قصيدة بناءً على اسمها ليقرأها أولا ثم يتابع هو يؤدي أيضا أداءً تفاعليا بالمقياس ذاته.
إذن فإن مسمى النص التفاعلي لم يقدم لنا ما نبحث عنه .
القصيدة التشعبية :
و من أسبق الباحثين لهذا المصطلح الدكتورة / عبير سلامة و هو أكثر التسميات ذكاءً ومناورة و أقربها للدقة في رأينا ذلك لأنه اعتمد الصفة التقنية المميزة للنص في تسميته فالصفة المميزة لتلك النصوص أنها تحوي روابط تشعبية Hyper links هذه الروابط هي كما قلنا بمثابة مسالك تتشعب من النص الأصلي بالضغط عليها تنقل القاريء لصفحة جديدة و فضاء إبداعي جديد و ليس مجرد طرح نصي موازي .
و هنا تبدو الأمور في محلها فالقصيدة التشعبية هي قصيدة التي تحتوي روابط تشعبية تقودك لمنطقة إبداعية جديدة و بطبيعة الحال ليس حتميًا أن يكون الفضاء حرفي بل ربما كان صوتيًا (ملفات صوتية) أو مرئيًا (فيديو- صور ثابتة) أو غير ذلك مما تجود به قارئح المبدعين.
و هو مصطلح ينقي أجواء الاختلاف حيث يصف القصيدة التي تعتمد تقنية الروابط التشعبية دون غيرها بمعنى أنه لا يجب أبدا مد نطاقه ليشمل قصائد أخرى تطرح على الانترنت مستفيدة من تقنيات جديدة غير الروابط التشعبية .
و هنا وجب التمييز بين ما قدمه رفعت سلام في تجربته المتجاوزة وقتها من اعتماد الهوامش بحيث كانت نصف الصحة الأيمن يحوي النص و نصفها الأيسر المفصول بخط طولي يحوي هامشا يطرح نصا موازيًا للنص الأصلي موازيا على مستويي فراغ الصفحة و الإبداع الشعري و بين ما يفترض أن تطرحه القصيدة التشعبية مستفيدة من تقنيات الروابط التشعبية و غيرها .
فليس مفترضًا أبداً أن يكون النص في خدمة تقنية ما تصادف أن أتيحت ، نحن نتكلم هنا كما نوهنا أول المقال عن نص يعتمد التقنية أداة من أدوات الإبداع كالصورة الشعرية و التشكيل اللفظي و الصوتي و غيرهم.
وهكذا يتبدى لنا أن جل ما وصلت إليه اجتهادات الباحثين في تسمية النص هو تسمية لإحدى تقنيات الكتابة المعاصرة و ليست تسمية لشكل شعري على إطلاقه .أو لنقل تصنيف لهذا الشكل الشعري بإلصاق أهم تقنياته باسمه فكما رأينا أدق المسميات المطروحة للآن (القصيدة التشعبية) يعتمد التسمية الوصفية للتقنية مضافة لاسم الجنس الأدبي الأصلي.
و هنا يطرح السؤال المهم نفسه هل نحن حقًا بصدد تغير جيني طافر في الجنس الشعري بحيث نحتاج لهذا التهافت في البحث عن مسمًى مستقل له ؟ أم أن الأمر لا يعدو خطوة على سلم التطور الطبيعي لشكل القصيدة من طورها الكلاسيكي القديم ؟
إن ما قدمه هذا الشكل لأدبنا العربي حتى الآن ليس سوى الكتابة المعتادة متوسلة أدوات محتملة كالصور و الصوت و تشعب الكتابة نفسها من داخلها مع تمسكه باللغة الشعرية و جمالياتها كدعامة لها . ما يشبه ما فعلته قصيدة عندما انتصرت على حساب بطولة الصوت لصالح الشعرية ذاتها.
غير أنه كغيره من أشكال الشعر العربي التي استحدثت يومًا ما زالت يسبق بخطوات اجتهادات النقد المواكب.
فإذا كانت الكتابة الكلاسيكية قد أنتجت خطابها النقدي المتمثل في الانطباعية وفلان أشعر من فلان والصور البلاغية القصيرة اللي تلتقطها الأذن إن الكتابة فرضت نقدا موائما متمثلا في وحدة الخطاب ودلائلية المستوى الطباعي وسيميائية الغلاف باعتبارها أدوات النص المطبوع
ترى ما هو المنتج النقدي الذي ستفرضه هذه النصوص الطارئة؟
معجم مصطلحات الانترنت. ديسمبر 7, 2010. معجم مصطلحات الانترنت.
تعليقات