شوقي بزيع – هل فرغت قبعة الحاوي من الحيل المدهشة؟ الوطن القطرية 17-04-2011
الشاعر شوقي بزيع من مواليد العام 1951 في زبقين بصور و له عدد غير قليل من الدواوين الشعرية هي :
عناوين سريعة لوطن مقتول 1978 ،الرحيل إلى شمس يثرب 1981 ،أغنيات حب على نهر الليطاني 1985، وردة الندم 1990 ،مرثية الغبار 1992 ،كأني غريبك بين النساء 1994 ،قمصان يوسف 1996 ،شهوات مبكرة 1998 ،فراديس الوحشة 1999 ،جبل الباروك 2002
سراب المثنى 2003 ،عناوين سريعة لوطن مقتول 2005 ،وردة الندم 2005 ،ملكوت العزلة 2006 ،صراخ الأشجار 2007 ،لا شيء من كل هذا 2007 ،كل مجدي أنني حاولت 2007 و كتابا نثر هما : ابواب خلفية 2005 و هجرة الكلمات 2008
وكان بالنسبة لجيلنا من الشعراء الجيل المولود مع بداية إصدار بزيع لدواوينه عتبة دهشة و بوابة عالم الصورة السحرية ، أذكر منذ عشر سنين كنا في مصر نتهافت على دواوينه نبتاعها و نستعيرها من المكتبات العامة و نقرأها فرادى و جماعات في البيوت و المنتديات و الحدائق ربما بوصفه المفاجأة التي تلت انبهارنا الكبير بنزار قباني و الذي بغرور المبتدئين كنا بدأنا عفوًا في النظر لأعماله كمرحلة بدائية من الكتابة لا بد الآن من تجاوزها فرأينا في كتابات بزيع المخلص إن جاز التعبير من سحر الأسبقين و المبشر بكتابة لم نشهد مثلها حتى أنزلنا بعض أعماله منزلة منابع الإلهام الكبرى من ذلك مثلا قصيدتاه : : كوابيس لعرس الحبيبة ، و كيف تصنع قطرتان من الندى امرأة؟ ، و هما من كتاباته المبكرة جدًا .
في الأولى يغرد بزيع بجمال حبيبته و يحولها بعصا سحرية إلى أسطورة كونية يقارن اسمها بالسنابل و وابتسامتها بالغيوم و يقر أن ترديده اسمها هو ما ينسيه رغبته في الانتحار " و لا أحدد ، لا أردد اسمها إلا لأنسى من جديد رغبتي في الموت"
كانت القصيدة قصيدة حب مراهق بامتياز حتى انتشر بين جيلنا أنها أروع ما كتب في شعر الحب العربي.
كان بزيع في هذه المرحلة اعتمد التصوير الشعري بطلا لجماليات النص و اقرأوا ( مسافة ) من بكريات نصوصه القصيرة :
"كل امرأةٍ أحبها تؤكد استحالة النساء ،
فكلما مشيت خطوة على طريق روحها
أعود خطوتين للوراء
و كلما طوقت خصرها بساعدي تراجعت إلى الخرافة
كأن ما أحب ليس امرأة بعينها بل المسافة ..."
في مسافة بزيع يمكنك أن تبصر جليا كيف اهتم بحشد فسيفسائه ليصنع صورة تمتد لتصبح مشهدا متحركا كاملا تاركًا مخيلته تسحبه كأنما لا ينتبه لروعة المفارقة بين المرأة و المسافة لا يستطيع أن يقاوم إغراء التشبيه.
و في الثانية يستعرض بزيع قدرة أخرى بعيدا عن قدراته التصويرية المذهلة لنقل أنه يعتمد تقنية كانت طارئة على الكتابة بالنسبة لمعظمنا آنذاك و هي إن جاز التعبير تقنية (المونتاج السينمائي) و التي كانت بحق أولى محاولات بزيع الواضحة للقبض على هيكل إنشائي للكتابة ليمنحه دور البطولة الجمالية للقصيدة عوضًا أو ربما دعمًا لقدرته المؤكدة على استمرار الصورة من سطر شعري إلى آخر ساحبا خيال المتلقي لعوالم لا توصف إلا عنده .
في كوابيس لعرس الحبيبة يقول :
"يحملها رجل باتجاه السرير الذي يشبه القبر ، ثم يهيل التراب على صدرها ."
صفقنا جميعا حين قرأنا هذه الصورة بل كنا نتقافز كأطفال إذن كانت الحبيبة التي ربما تعادل بيروت تزف إلى غيره فتضرب ليالي الشاعر كوابيس الحرب و هو يداخل بين طقوس الزفاف و فواجع الحرب بتحكم خبير على مدار النص.
و الحقيقة أن اتجاه بزيع صوب البنية لم يخذله في ديوانه الأحدث نسبيا (قمصان يوسف) و الذي من عناوينه قميص الرؤية ؛ قميص الشهوة و هكذا حيث بدا الديوان مكتوبا كأنما على نول جهز الرجل خيوطه و هيأ بنية كاملة قبل أن يشرع في تقديم قطع فنية راقية داخل هذا البناء المتماسك .
حسنًا إذن فلشاعرنا هاتان القدرتان أو لنقل كانتا له قديمًا ، فالمتابع لكتاباته الأخيرة و لنتخذ مثلا ديوانه "صراخ الأشجار " الذي فيه ينتصر بزيع للبنية و ليس عن اختيار كما يبدو لقد اكتشف الرجل أن سحر الصورة ينفد من رأسه و أن قدراته على الدهشة بالتشبيه تنفد هي الأخرى فمعظم صوره في دواوينه الأخيرة جاءة كإعادة طباعة باهتة لما رسمه في بداياته بألوان مبهرة و شيقة ، هل نفد رصيد خياله ؟ هكذا يبدو . فوضع البيض كله في سلة البناء ظانًا هذا يعبر به هوة التكرار أو ربما مراهنا على قصر ذاكرة التلقي .
ثم هل كسب الرهان على البنية ؟ الإجابة عندنا هي لا بكل تأكيد فالبنية وحدها ليست سوى هيكل لا يقدم بطولة جمالية و لا يمكن له أن يفعل إنها معرض مهيأ لاستقبال جماليات و ليست قيمة جمالية بذاتها .
ربما يفسر هذا السناريو المتكرر في تاريخنا الشعري و هو ما يحدث غالياً عندما تغادر الروح جسد الكتابة تاركة إياها جثة هامدة في تابوت مزخرف تراجع شعبية مؤلفات بزيع لدى متابعيه من الشعراء و اقتصارها على بعض الجمهور العادي بالإضافة لشعراء مبتدئين يهتمون أكثر شيء بكتاباته القديمة التي ما زلنا نرى فيها مصدرا ملهما و معلما للشعراء في مراحل التكوين الأولى .
تعليقات